• Default
  • Title
  • Date
  • فاضل فرج خالد
    المزيد
    الثامن من شباط الاسود   **************************************************** في ذاكرتي ان بدايات عام
  • حامد خيري الحيدر
    المزيد
      خلال دراستي الجامعية في قسم الآثار/ كلية الآداب قبل
  • علي كاظم الربيعي
    المزيد
    لعيبي خلف الاميريدجله (يمينها) واهمها هور السنيه وهور عودة واسماء
  • عربي الخميسي
    المزيد
    في مثل هذا اليوم حدثت نقلة نوعيه غيرت طبيعة الحكم


التراث الروحي والتأريخي لطائفة الصابئة المندائيين تم تدوينه وتسجيله في عدد من المخطوطات التي نُظمت على هيئة لفائف، واللفائف عبارة عن اشرطة طويلة من ورق البردي يتراوح عرضها 15- 20 سنتمترا، اما طولها فغير محدد، تُلف هذه اللفائف بشكل اسطواني عند الحفظ ويطلق عليها تسمية دواوين (جمع ديوان). وهنالك نصوص وتعاليم دينية تم جمعها (تدوينها) في متون كتب او كراسات، بعضها على هيئة اوراق منفصلة محفوظة داخل اغلفة سميكة، الا انها جميعا باختلاف اشكالها وطرق تدوينها يُطلق عليها اليوم تسمية – كتب الأدب المندائي - اما الحبر المستخدم في تدوين النصوص فهو حبر اسود اللون يُصنّع يدويا بطريقة خاصة، وتتم عملية الكتابة بعناية فائقة من قبل رجال الدين وبحروف الأبجدية المندائية.

ان ما يميز الصابئة كشعب هو تحفظهم الشديد على نشر تعاليمهم الدينية واسرار طقوسهم وتفاصيل حياتهم الروحية، لذلك بقيت المخطوطات التي تتضمن تأريخهم وتعاليمهم وطقوسهم طي الكتمان طوال تأريخهم السابق وحتى زمن قريب، ولم يكن باستطاعة المهتمين والباحثين عربا واجانبا، الحصول على تلك المخطوطات بسهولة، وان شاءت الصدف وعثر احدهم على نسخة نادرة في احدى المكتبات او المتاحف العالمية فان قراءتها ودراستها تستلزم وجود رجل دين صابئي للمساعدة في ترجمة وتوضيح ماجاء فيها.
المخطوطات الأصلية القديمة لا يستطيع حتى الأفراد من عامة الصابئة الحصول عليها (على سبيل الدراسة او الأطلاع) اِلا عبر مصدر واحد لاغير، وهو رجال الدين انفسهم، ففي الغالب لايمتلك مثل تلك الكتب والدواوين الا رجال السلك الكهنوتي او المتدينين، وهم يحفظونها بحرص شديد لندرتها ويتحفظون عن الأعلان عنها (امتلاكهم لها) ولايتداولونها فيما بينهم ولايعيرونها لغيرهم. وهي عموما محدودة العدد جدا سواء على صعيد الطائفة او على الصعيد العالمي، وهم حريصون على الأعتناء بها وحفظها. وفي حالة أراد رجال الدين المناقشة والتباحث في نصوصها فان هذا الأمر لا يتم الا فيما بينهم او بينهم وبين المتخصصين من ابناء الطائفة، فهم يخشون فقدانها او وقوعها في ايدي الغرباء او تعرض نصوصها للتشويه. وغالبا يتم حفظها لديهم داخل كيس ابيض يسمى (كَدادة) مصنوع من قماش قطني، وتوضع في مكان طاهر وامين.

جميع كتب الصابئة المندائيين دوّنت باللغة (الأبجدية) المندائية، وهي لغتهم الخاصة التي لم يستعملها غيرهم من الأقوام قط، والتراث الروحي المدون للصابئة عديد ومتنوع، فهم يمتلكون مجموعة من الكتب الدينية والتأريخية اختص كل منها بشرح نوع من الطقوس او التعاليم اللاهوتية او الوصايا، ويتضمن بعضها تعاليما خاصة برجال الدين، او نصوصا تشتمل على صلوات وتراتيل دينية او احداث تأريخية خاصة بهذه الطائفة وأتباعها او بمسيرة ديانتهم وتطورها، كما يفرد بعض هذه الكتب فصولا كاملة لتدوين قصة نشوء العالم والخلق وشرحها بشكل مفصل، وتوضيح طبيعة الخالق مسبح اسمه.
اهم كتب الصابئة الدينية واكثرها تداولا هو كتابهم المقدس المسمى (كِنزا رَبّا).

كتاب كِنزا ربّا، هو الكتاب المقدس، وكلمة (كنزا ربا) مؤلفة من مقطعين ومعناها الكنز الكبير او العظيم، وهذا الكتاب يسمى ايضا سِدرا ربا، أو سِدرا آدم، وكلمة (سِدرا) معناها كتاب سماوي، أي الكتاب الذي انزله الله على آدم. والصابئة يعتبرونه الكتاب الرباني الأول بحسب ماجاء في الكتاب نفسه {بأسم الحي االعظيم .. الاغنى والأسمى، هذا هو السر، هو الكتاب الأول لتعاليم الحي الأزلي الذي لا بداية له}، كذلك جاء في الكتاب ذاته }هذا سر الكتاب، والتفسير الأول، والتعليم الحي الأول الذي كان منذ الأزل{ .
النسخة الأصلية من كتاب (كنزا ربا) تحتوي على 600 صفحة من القطع الكبير، وهو يتألف من 22 فصلا، يسمى كل فصل منها كتابا، والكنزا ربا هو كتاب مزدوج، اي يتكون من قسمين، احدهما يُقرأ من اليمين ويسمى الكتاب اليمين، والآخر يُقرأ من اليسار (بعد قلب الكتاب) ويسمى الكتاب اليسار.
يتألف القسم الأيسر من ثلاثة كتب، جميعها تتحدث عن الموت وصعود النفس (النفس الأنسانية وليس الروح) الى العالم الآخر، وكل كتاب من هذه الكتب يتضمن مجموعة تسابيح، فالكتاب الأول يحتوي ثلاثة تسابيح، يتحدث الأول منها عن عودة شيتل (النبي شيت) الى عالم الأنوار (الفردوس)، والتسبيح الثاني يصف عودة آدم الى عالم الأنوار ايضا، بينما يصف التسبيح الثالث حال حواء وحزنها بعد موت آدم وصعوده الى السماء. اما الكتاب الثاني فيتضمن 8 تسابيح تتحدث جميعها عن قلق آدم وتساؤلاته. في حين يتضمن الكتاب الثالث تسعة وثلاثين تسبيحا.
اما القسم الأيمن او جهة اليمين من كتاب كنزا ربا فيتألف من تسعة عشر كتابا او فصلا، ويتضمن التوحيد والوصايا والدعوة الى الزواج وموضوعات عن الخليقة وكيفية خلق ادم وهبوط المخلص وصعود يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا) الى عالم الأنوار، كذلك يتضمن تعاليما ليوحنا الذي يعتبرونه آخر انبيائهم، ومجموعة تراتيل ووصف لمصير الخطاة وعالم الظلام، كما يصف كيفية تكوين الماء الحي (يردنا) وبيان أصل النفس الأنسانية ومنشئها، إضافة الى ذكر بعض المواعظ والحكم. اما الكتاب او الفصل التاسع عشر والأخير فيتحدث عن قصة الطوفان.

وكتاب الصابئة المندائيين المقدس (كنزا ربا) مقسم الى اسفار او فصول، والأسفار مقسمة الى (بوَث) ومفردها (بوثا). تمت ترجمة هذا الكتاب الى اللغات الأجنبية ثلاث مرات، الأولى على يد الباحث السويدي (ماثيو نوربيرغ) عام 1813 وطبع في كوبنهاكن عام 1815 ، والترجمة الثانية تمت على يد الباحث السويسري (بيترمان) الذي اعاد نشره في لايبزك عام 1867 ، وفي عام 1925 ترجمه الباحث الألماني الشهير (ليدزبارسكي) الى الألمانية وهي اهم وافضل ترجمة لهذا الكتاب. ويحتفظ متحف الآثار العراقي في بغداد بنسخة قديمة كاملة من كتاب كنزا ربا مكتوبة بالحرف المندائي، وهي نسخة نادرة. تمت ترجمة كتاب كنزا ربا الى اللغة العربية وصدر عام 2000 في بغداد.

 

السبت, 07 أيلول/سبتمبر 2019 13:38

كتاب ألف وإثنا عشر سؤال

واحد من اقدم كتب الصابئة احفاد الديانة الغنوصية
اعرق ديانة توحيدية

كتاب " ألف وإثنا عشر سؤال" الذي صدر هذه الايام، عن دار نشر "يايان" التركية، 515 صفحة من القطع الكبير،يحوي السؤال وجوابه باللغة الارامية المندائية وتحته الترجمة بلغة عربية سليمة مبسطة. من تحقيق واعداد وترجمة الدكتور صباح خليل مال الله، وهذا المخطوط ،هو من الدواوين المهمة التي احتفظ به الصابئة المندائيون، الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم في ثلاث آيات كريمة، باعتبار دينهم دينا قائما بذاته كالاديان الكتابية الاخرى المعروفة . وتكمن قيمة هذا المخطوط باجزاءه السبعة بأنه يوفر صورة مفصلة، فريدة في تاريخ الاديان والطقوس والمعتقدات الدينية لطائفة غنوصية ، نجت وحافظت عبر قرون طوال على طقوسها من التغيير بسبب الطريقة الصارمة التي تم من خلالها محاسبة التحريف والاهمال.
يعتبر مخطوط" ألف تريسار شيوالي" من اطول الدواوين في المكتبة المندائية، ويعتبر المرجع الاساسي الذي يعود اليه رجال الدين لمراجعة التفاصيل الدقيقة لاداء الطقوس ومعرفة علاج الاخطاء التي ترتكب، عمدا او سهوا، عند القيام بها. ولهذا فان الصابئة يحتفظون بهذا الديوان بكل عناية لاهميته العظيمة كما يدعون. ولان أهمية الطقوس بالنسبة للصابئي تفوق اللاهوت، فهو يعترف بقناعة بسيطة بأنه من المستحيل تماما التطرق إلى المطلق بعبارات محدودة، ولايتقبل برحابة صدر الروايات المختلفة التي تتناول الخلق ومسألة الفداء وخلاص النفس. لكن الامر يختلف تماما مع الطقوس مجال البحث. فرجل الدين هنا على ارضية صلبة، والطقوس بالنسبة له لغة قديمة بالغة التأثير، لغة الايماء والرموز، فكل طقس هو عبارة عن دراما له معناه " الحقيقي" والسري، وهنا تكمن مسألة اتقان الطقس. والاداء الناقص لهذه الطقوس يجلب عليه اللعنة والتلوث. وهذا الديوان لايشرح لنا كيفية اداء الطقوس من قبل فرقة غنوصية يعود تاريخها للعصور القديمة فقط، وانما بتوضيح المعاني الرمزية المرافقة لها والمتوافقة مع التعاليم الغنوصية الخاصة بالنفس البشرية ومصيرها، وبالخالق العظيم الذي خلقها.
ويعتقد الدكتور مال الله في مقدمة الكتاب بان" ديوان ألف وإثنا عشر سؤال، يساهم مساهمة عظيمة في دراسة المعتقدات والممارسات الغنوصية التي كانت سائدة في القرون الاولى الميلادية، وربما قبل ذلك بقليل". ويضيف مال الله، "ان المندائية هي العقيدة الغنوصية الوحيدة التي ما زالت في الوجود، تنفرد بنظامها الخاص وطقوسها الدينية التي تميزها عن الفرق الغنوصية الاخرى. وقد حفظ لنا رجال الدين طرق تأدية الطقوس كما ورثوها عن اسلافهم. وبما ان الكهانة كانت وراثية فكان الطفل ينشأ في عائلة دينية يستمع الى التراتيل والصلوات ويعيدها بعد ابيه او معلمه الى ان يكبر ويتبوأ منصبه الديني فيكون قد ألمّ بكيفية القراءة الصحيحة للكتب المندائية، بالاضافة الى حفظ للكثير منها عن ظهر قلب ".
الاجزاء السبعة ، التي يتكون منها الديوان المخصص لعامة ابناء هذه الديانة، تخبرنا، من خلال شروحات، عن الطقوس التي بنبغي أن تقام بشكل دقيق وباتقان عالي، وبانه لاينبغي إطلاقا إطلاع العامة عليها، لكونها تعاليم سرية لاينبغي البوح بها الا للمرشحين للارتقاء( شوالاني) قبل أن يرتقوا الى درجة كهنوتية يطلق عليها اسم( الترميذا).
تدرِّس العوائل أبنائها، في معظم بيوت الصابئة المندائيين، التشريع والطقوس الدينية التي هي طبعا انعكاس لمفاهيم مذهب واحد، تتسم بالعمق المعرفي على أنه الحق المطلق غير القابل للنقاش، وقليل جدا من هذه العوائل من تحاول تلقين اولادها وبناتها زاوية مشرقة من تاريخ هذه الديانة العريقة تخفي أكثر مما تظهر، وتبالغ أكثر مما تعقل من الظروف والمعطيات. يكبر الصغار وفي عقولهم مسلمات غير قابلة للنقاش نظرا لطريقة تقديم المادة الدينية، إلا أن الأشد والأمرّ هو أنهم يكبرون غافلين عن كثير من الحقائق التي ما زالت آثارها مخفية في صفحات الكتب واللفائف القديمة التي يحتفظ بها رجال دينهم . تخفي المناهج الدينية وشروحات الطقوس، أكثر مما تظهر، وتغالط أكثر مما تفصح، فيصبح الاتباع غير واعين بما سيقابلهم من تحديات فكرية كان الأجدر أن يتم تجهيزهم لها من خلال الإفصاح عن الحقائق والتعامل مع المتناقضات الفكرية عوضا عن إخفاء الرأس في التراب تغاضيا عنها. طبعا، المشكلة لا تقف حد تقديم معلومات بلغة ركيكة من الارامية المندائية الى اللغة العربية الفصحى، لغة عموم المندائيين في الوقت الحاضر ، هذه الترجمات لارث ديني فلسفي عميق يفترض فيها الوضوح والحياد التام تجاه كل مواطنيها ، ليتدارسها الجميع، باحثون ومؤرخون وطلبة، وعامة ابناء الديانة، طوعا لا فرضا، كل حسب قناعاته وتوجهاته.
من هنا ، شرع الباحث الدكتور صباح خليل مال الله ببرنامج ترجمة كتب المندائيين ، حيث ابتدأ مشروعه بتاريخ شخصية النبي يحيى ابن زكريا ، وترجمة كتاب الديانة الغنوصية ، والمخطوط الحالي، وسيخرج للنور خلال الفترة القريبة القادمة كتابه الجديد ( ديوان حران كويثا) ضمن برنامج تعليمي واعلامي ، يرمي إلى إعادة الصورة الحقيقية الغير مشوهة لتاريخ حمل الكثير من التشويهات بمشاعر عدائية غمطت عن حقد سلفي متخلف ضد حقائق تاريخ أعرق ديانة توحيدية في تاريخ البشرية ، وهو الامر الذي أوقع الاجيال الجديدة من هذه الجماعة البشرية في حالة من التنافر النفسي بين العقيدة الدينية والقيم الحالية، ما دفع البعض من ابناء هذه الطائفة الدينية بالعودة للقيم الماضية بشكل متطرف دون فهم فحواها التاريخي ودون تقييم حقيقي لسلطة التغيير القائمة على كل جوانبالحياة.
الجميع يحتاج إلى تعلم تاريخ هذه الديانة وطقوسها، ويحتاجون إلى فهم طبيعة العقائد المحيطة، القريبة والبعيدة، لا إلى دراسة عقيدة منفردة على أنها الحق المطلق، وذلك ليكونوا أكثر قدرة على التعايش وفهم واقعهم بدون خوف لان الخوف يولده الجهل ، والمعلومة نور تختفي فيها عتمة الجهل وتستيقظ على حدودها الضمائر المطلعة لتنحى بحيوات أصحابها نحو السلام.
لقد تصاعد الاهتمام بالفكر الغنوصي الذي تمثله الحياة المعاصرة للديانة المندائية بوصفه مجالاً للتعبير بعيداً عن الإكراهات الاجتماعية والدينية، وتجاور الخطابات المتنوعة في سياق النصوص القديمة ، الامتثال لمنطق المعرفة يستدعي النهوض بالوعي النقدي والتأسيس للمشاريع الهادفة إلى إضاءة مساحات جديدة في المعطيات الفلسفية لهذا الفكر، بالأساس كفعل تحرر واسترجاع للذات والكلمة، التي ظلت مسلوبة الإرادة ومقموعة الصوت إلى وقت ليس ببعيد في مجتمع تغلبت عليها العديد من النزعات الدينية والثقافة المتسلطة. حيث أصبحت أداة لتعرية الزوايا المظلمة في حياة الإنسان الصابئي بطرحها وتناولها للموضوعات الاجتماعية والدينية ، لتسجل بذلك مساهمة مهمة في رصد ونقد ومواكبة حركية المشهد الحضاري العام، لاسيما أن التجمعات المندائية اليوم، موزعة في عدد كبير من دول العالم، وهي لازالت تواجه موجات الهجرة التي بدأت خلال العقدين الاخيرين نتيجة استفحال ظاهرة العنف في كل من العراق وايران . وهذا ما يتوخاه عدد من رجال الدين وبعض المثقفين من ابناء هذه الطائفة الدينية ، يهمهم انتقال المطارحات النقدية إلى مجال تداولي أوسع، إذ اختاروا التبحر في فهم الجذور، وفهم النص الديني، باعتباره مستودعاً للأفكار والموضوعات التي تكوّن صورة واضحة، لرصد تمثلات الوعي في المنجز الفكري والفلسفي لهذه الديانة التي تعتبر نفسها اعرق الديانات التوحيدية في الشرق الاوسط .كما يرى العديد من مثقفي الطائفة المندائية، بان العودة التي تبني نفسها على التحري والدراسة الموضوعية،بهدف كشف البنيات الفكرية لهذه الفلسفة الدينية، لا تقتصر على الرؤية المغلقة لقراءة الدين من باب الماضي فقط، بل يتعداها إلى النظر في الموقف الحضاري. كيفما كان نوع المقاربة النقدية فإن الغاية هي قطف المعنى العميق ، الواضح والسهل لهذه النصوص، التي تبدأ من الشكل، وأقصد الألفاظ والجمل والأصوات والحركات والتواترات، لأن الموضوع مثلما يؤكد العديد من مثقفي الطائفة، يمر من المستوى الدلالي إلى المستوى الشكلي، فالشكل نابع من الأعماق، بمعنى أن الطريقة التي تبنى بها الموضوعات في العمل الأدبي، هي التي تحدد خصوصيته وخصوصية المبدع، فقد تتقاطع الموضوعات بين الكتاب، غير أن ما يجعلها تختلف هو طريقة تشكيلها، كما أن اختلاف الكتاب في وعيهم للموضوعات يفرض اختلافا في طريقة الكتابة، بسبب الحرص الشديد على أن لا يكون ذلك تناولا خارجيا أفقيا متعسفا، إنما نابع من إنصات إلى نبض النص وروحه.
وعلى العموم فإن ديوان " ألف واثنا عشر سؤال" يمثل نوعا من التعاليم الدينية التي يمكن ان توسم بـ" الشروحات السرية". وهذه الادبيات تستلزم الطقوس والميثولوجيات. وقبل كل شيء فإن هذه النصوص معنية بتأكيد أفضلية عالم النور عند القيام بطقوس معينة. فاهتمامات هذا الديوان تنصب على الشروحات المستفيضة للطقوس، والتعايم السرية المتعلقة بجسم الانسان، وعلى الابجدية، وعلى قائمة طويلة من الاخطاء الطقسية وطرق علاجها. كما ان التحذيرات الواردة فيه تؤكد على وجوب التزام رجال الدين التام بالطقوس كما هي وعدم قيامهم بحذف او تحريف اي منها، أو إضافة طقوس " أجنبية" لها.

شعار طائفة الصابئة المندائيين ورمزهم الديني هو مايلفظ في لغتهم المندائية بكلمة درافشا او درابشا، والكلمة تعني العلم او الراية، وهم يُطلقون عليه تسمية درافشا اِد يهيا يُهانا، والعبارة تعني راية يوحنا المعمدان، ويوحنا المعمدان (يحي بن زكريا) هو آخر انبياء الصابئة المندائيين. وهذا الرمز او الشعار الديني الذي درج الصابئة على تسميته في لهجتهم العامية (درفش) يرمز الى عالم النور والى السلام فيسمى أيضا راية النور. وهو اليوم يرمز الى ديانة الصابئة المندائيين والى المؤمنين بهذه الديانة.

النموذج الحقيقي للدرافشا يتألف من غصنين يؤخذان من شجرة مثمرة او من شجيرة (القِنّا) الشبيه بالقصب، تُجمع القطعتان الى بعضهما بشكل متقاطع على هيئة علامة زائد، على ان تكون القطعة العمودية أطول قليلا من الأفقية، تُربط القطعتان من منطقة تقاطعهما بواسطة حبل قطني ابيض، ويوضع عليهما قطعة طويلة شبيهة بالرداء منسوجة يدويا من الحرير الأبيض، هذا الرداء الحريري يوضع بطريقة خاصة يجيدها رجال الدين، تلك الطريقة تجعل الرداء ثابتا على الهيكل الخشبي ولايمكن له ان يسقط مطلقا بفعل الحركة او الرياح. ولقطعة الحرير هذه أبعاد مُحدده وتنتهي من احدى جوانبها بمجموعة من الشراشيب. توضع في اعلى الدرافشا وتحديدا على منطقة تقاطع الغصنين، سبعة اعواد (اغصان) خضراء تؤخذ من شجيرة الآس، وهو من النباتات المباركة والمهمة دينيا لدى الصابئة. وليس للدرافشا ارتفاع أو مقاس محدد والمهم في الأمر هو رمزيته وليس حجمه.

ان الرداء الأبيض الذي يعلو الدرافشا يُنسج يدويا من خيوط الحرير وفق حساب خاص ويراعى في نسجه ترك فتحات يمكن للضوء النفاذ من خلالها، ونفاذ الضوء من هذه الفتحات له دلالة رمزية، فهذا الضوء الذي يأتي من عالم النور (آلما دنهورا) يمر من خلال هذه الراية البيضاء ليسقط على ابناء النور من الصابئة المتعمدين بالماء فيمتلأون استنارة وبركة. جاء في نص مدون حول الدرافشا }هؤلاء هم المختارون الصادقون الذين يذهبون الى اليردنا وبضوئك الخاص يستنيرون انت تحرسهم وتقومهم وترفع صباغتهم الى العلياء{. ولهذا السبب يطلق على الدرافشا عبارة راية النور او العلم المضيء .

اما الحبل الذي يربط الخشبتين المتقاطعتين الى بعضهما فتتصل به قطعة صغيرة من الذهب على هيئة حلقة تجمع طرفي الحبل الى بعضهما. والأغصان الخضراء السبعة التي تعلو الدرافشا والمعطرة بأريج الآس ترمز الى الملائكة السبعة الذين يمثلون عدد ايام الأسبوع، فكل يوم من ايام الأسبوع له ملاك خاص به. والرقم سبعة له أهمية خاصة في ديانة الصابئة المندائيين (مثلما هو الحال لدى اديان أخرى) اذ يتكرر ذكره كثيرا في ادبهم الروحي، فتُذكر باستمرار عبارات مثل الملائكة السبعة، الكواكب السبعة، الأرواح السبعة، الأيام السبعة... الخ ولهذا الرقم دلالات عددية ودينية.

يتم احضار الدرافشا ونصبها عند القيام باجراء الطقوس الكبرى، وينبغي لكل رجل دين ان يمتلك درافشا خاصة به. يستخدم هذا الرمز الديني على وجه الخصوص في مراسم الصباغة (التعميد) ولايمكن الأستغناء عنه مطلقا عن القيام بهذا الطقس. اذ يُثبّت عند كتف النهر او قريبا منه وفي مواجهة الشمال. وهنالك نص ديني (بوثة) خاصة بالدرافشا يتم ترديدها باللغة المندائية في واحدة من مراحل المعمودية اذ يقوم الشخص المتعمد بلمس قائمة هذا العلم من جزئها الأعلى ثم من الأسفل وبيده اليمنى مرددا تلك البوثة التي نصها: }وقف المختارون الصادقون على ارجلهم ومسكوك بيمينهم وذهبوا حيث اليردنا، الماء الحي{.

هنالك سبعة تراتيل يقوم رجل الدين بترديدها عند قيامه بنصب الدرافشا على ضفة النهر، هذه نصوصها:

{باِسم الحي العظيم، حالما اشرق الضوء من الأرض البيضاء، آرسفان الفتى الشاب ابن الضياء، نصب الدرافشا الذي نشر الضوء العظيم، فأستنار الأثريون والمساكن. لقد استناروا بضوء الدرافشا مثلما استناروا بالضوء العظيم في بيت الحي العظيم}.

وجاء في الترتيل الآخر {في اليوم الذي فيه نصب (ششلام ربا) الدرافشا، تشكلت على اعمدته ثلاث مئة وستون عينا من الضوء والنور والوقار}.

اما الترتيل التالي فيوضح مكانة الدرفش واهميته بالنسبة لعوالم النور :

{في اليوم الذي نصب فيه درافشا ششلام ربا، شع ضوؤه على ثلاث مئة وستين عالما من عوالم النور}.

وهذا ترتيل آخر:

{في اليوم الذي نصب بهرام ربا درافشا ششلام ربا، شع ضوؤه على الماء، ضوؤه شع على الماء فنبع الضوء من الماء، نبع الضوء من الماء واشرق على العوالم، حالما شاهدت العوالم والملائكة ضوء درافشا ششلام كلهم قربه تجمعوا وتباركوا ببركة درافشا ششلام ربا وقالوا له:

مبارك انت يادرافشا ششلام مبارك الرجل الذي نصبك اذ وهبك الكثير من الضوء، ووهبك التاج النفيس والآسة التي تعززك.. الأثريون واليرادن بضوئك يرفلون وبعطرك يبتهج الأثريون من البداية حتى النهاية}.

ثم يمسك رجل الدين الدرافشا ويذهب بها الى ضفة النهر وهو يردد النص التالي:

{وقف المختارون الصادقون على ارجلهم ومسكوك بيمينهم وذهبوا حيث اليردنا الماء الحي، وثبتوك ليشع ضوؤك على اليردنا، الماء وضوؤك متحدان مع بعضهم البعض، الماء وضوؤك مع بعضهم البعض متحدان ولشلماي وندباي مُسخّران، هؤلاء هم المختارون الصادقون الذين يذهبون الى اليردنا وبضوئك الخاص يستنيرون انت تحرسهم وتقومهم وترفع صباغتهم الى العلياء.. والحي المزكي}.

وقبل تثبيت الدرافشا يقرأ رجل الدين النص الأخير:

{ياور أخذ درفش ششلام ربا الذي تفاخرت به العوالم والأجيال وذهب الى ضفة اليردنا برياويس، برياويس اليردنا عندما شاهد ضوء درافشا زاهرون، فرح فرحا عظيما من البداية الى النهاية}.

وبعد قراءة التراتيل السابقة من قبل رجل الدين، وفي خاتمة مراحل الصباغة (المعمودية) يقوم الشخص المتعمد بتقبيل الدرافشا ويردد العبارة التالية:

(الحق يطهرك ياتاجي، الحق يطهرك ياعمامتي.. الحق يطهرك ايها النور .. الحق يطهركم ويقومكم جميعا).

 

الأحد, 14 تموز/يوليو 2019 11:17

مفهوم الكراص المندائي

لقد تطورت قصص الإسراء والمعراج عبر الأجيال ، ونمت نمواً واسعاً ، وتدرجت حسب السُلم التاريخي لها ، متكاملة في المعنى والإطار، وتحولت بمرور الوقت الى رؤيا رمزية لدلالات فلسفية وسياسية ودينية وحضارية ، واتخذت من طابعها الثقافي في التأثير والتأثر في المجتمعات على مر القرون والعصور كما هي في الحكاية والاسطورة ، وقد ساعدت نزعة الهضم والإستيعاب التي رافقت نزعة الكتابة والتأليف في وضعها بصيغ جديدة ومن مصادرها المختلفة ، هذه الأنواع كلها ينتظمها مفهوم التعدد للاثر الأدبي الواحد او القصة الواحدة .

ان تعدد الروايات لا ينفي وحدة النموذج واصالته في المعايير الإبداعية للخلق الأدبي ، كما انه لا ينفي التفرد والتميز لكل صورة او رواية لجانب من جوانبها ، والتي دخلت اليها عن طريق التصوف والفلكلور الشعبي ، كما دخلت عن طريق التراث الديني الحي الذي تناقلته الأجيال كابراً عن كابر .
لذا فصور وقصص الإسراء والمعراج إنما تستمد عناصرها من الأحاديث والمعتقدات الشعبية والدينية المتوارثة وعن الملائكة والمخلوقات النورانية وصور الفردوس والجحيم ومحطاتها المتعددة ، كما في وصف العرش والملائكة الصالحين من الأرواح الخيرة ، والشيطان واتباعه من الأرواح الشريرة ، والنابعة عن الخيال الشعبي والتي ترجع بالأساس الى أصول سامية قديمة قبل ان تنهل منها المعتقدات اللاحقة .
ومؤثراتها لم تقتصرعلى الآداب بل تعدت ذلك إلى أشكال التعبير الفني الراقي كالخط والرسم والإيقونات والمنمنمات الطقسية الأخرى ، التي لها بنيتها المعمارية والرمزية ودلالاتها الروحية ومصاحباتها الفكرية والحضارية ، وعلى أهمية هذا الأثر لا من الناحية الدينية والروحية فحسب ، بل من الناحية الجمالية والفنية أيضاً .
الإسراء والمعراج من حيث الأسلوب يمتاز بالخصائص التالية : الرمز ، التصوير الفني ، البناء المعماري . فالصوفيون يميلون الى الرمز ، اما الفولكلوريون فالميل الى الوصف والتصوير والمنحوتات ، اما البناء القصصي يختلف من حيث الخطط العامة إلا ان معماريتها تمتاز بخواص أدب الرحلات والأمثلة كثيرة على هذا المنوال .
التراث الديني المندائي تحدث بإسهاب عن هبوط وصعود الملاك الصالح هيبل زيوا الى العالم السفلي ( الما ريشايا زوطا ) لكبح جماح عوالم الشر والظلام ، والعودة من جديد الى العالم العلوي ( الما ريشايا ربا ) ، والذي يصادف فيه مناسبة دينية مقدسة لدى المندائيين ، يوم (1) آيار مندائي والذي استغرقت رحلة الملاك الصالح (18) يوماً في حسابات العالم المادي والتي تم تقييدها بالرمز ( السكن دولة ) بعد جلبه جميع اسرار عالم الظلام في يوم (18) آيار اي يوم عيد الصغير المندائي .
ونلاحظ في عروج الأنبياء شيتل بن آدم وسام بن نوح ( شوم بر نو ) ويحيى بن زكريا ( يهيا يهانا ) االرسول إلى عالم النور بأمر من هيي قدمايي كما جاء في الكتاب المقدس ( الكنزا ربا ) ، وعروج عيسى المسيح الى السماء بعد اليوم الثالث من صلبه ، واختفاء موسى النبي في جبل نبو الذي في ارض موآب وبأمر الرب يهوه ، كل هذه قرائن لا تقبل التأويل عن احداث بشكلها وفق صورها الرمزية المنقولة عن التراث الديني ، تعطي طابع الخيال المُبهر والإبداع الفني بالوانه ورموزه وصوره المعبرة .
ان وصف الملائكة في الموروث الديني المندائي ، ووجوهها المتعددة او ملائكة العناصر التي تعكس التعدد في الوحدة من اكثر الإبداع والتركيب التصوري المُبهر لحالة الإسراء والمعراج في الصعود والنزول الى خالق الكون عبر الأثير السماوي الساكن في الشمال " اباثر " او " أواثر "، وما تمتاز به الملائكة من سهولة الحركة في تنقلها من خلال الفُلك والسفن الناقلة ، بأمر صاحب العرش والعظمة حسب هذا المفهوم .
تتجلى قصص الإسراء والمعراج باعتبارها وثائق فكرية تصورية فيما وراء الطبيعة ، تزودنا بأنماط من وجهات نظر مختلفة عن هذا اللغز الذي حيّر البشر ، عن صلة الإنسان بالخالق ، وصلة الإنسان بالكون ، وصلة الله بالإنسان ، والإنسان بأخيه الإنسان منذ أمد السنون والدهور. وتلقي أضواء كاشفة على المعتقدات والأنظمة الروحية والإجتماعية وخاصة في التصوف الديني المعروف عنه اليوم .
هناك مؤشرات وردت في كتبنا الدينية المقدسة عن مكونات عالم الظلام التي هُزمت من قبل الملاك الصالح هيبل زيوا اثناء رحلته الأخيرة لعوالم الظلام المتعددة : (عالم الروهة - أور وايواث - زرتاي وزنتاي - هاغ وماغ - كاف وكافان - انانات وقن ، وكرون جبل اللحم الهائل )، من اجل تهيئة الأرض ومن اجل آدم وتكوين النسل البشري وعملية الخلق الأولى على هذه الأرض . وان جميع هذه العوالم تمر بها النفس اثناء إنفصالها عن جسد الإنسان وعروجها وصولاً الى العالم المثالي "مشوني كشطا " اي أرض العهد .
وقد خُتم الشر بمكنونات عالم الظلام ، برمز السكندولة وعناصرها الأساسية للتكوين : الحية ترمز الى النار وتمثل فصل الشتاء وهي تقابل الدم في الجسد البشري ، والاسد يرمز الى التراب ويمثل فصل الربيع وهو مقابل اللحم في الجسد البشري ، والعقرب يرمز الى الماء ويمثل فصل الصيف وهو مقابل العظام في الجسد البشري ، أما الزنبور يرمز الى الهواء أو الريح ويمثل فصل الخريف وهو مقابل الأعصاب في الجسد البشري ، حسب ما ورد في الميثولوجيا المندائية .
نرى ان عروج وخلود النفس ( نيشماثا ) المندائية ، تمر بمراحل المطراثي اي المطهرات ، لذا يعتبرها المندائيون سجينة الجسم - بغرا في عالم الظلام ( المي ادهشوخا ) وفي يوم ما تتخلص من هذا السجن عائدة الى عالم النور ( المي ادنهورا ) ، اي بعد انتقالها من العالم المادي الى العالم الروحي تاركة الجسد الفاني ، بعد ان تحاسب على ما قامت به من اعمال في الدنيا من قبل ( الملاك الصالح أواثر مُزنيا ) في ديوان أبآثر ( الميزان ) ، و يقابلها عند اخواننا المسلمين ( منكر ونكير ) وفق موازين توزن به هذه الأعمال ان كانت كل اعمالها صالحة نقية تذهب الى عالم النور ، وان كانت اعمالها سيئة تُعاقب بعقاب تتفاوت درجات تعذيبية حسب نوع السيئة التي اقترفتها النفس فتلتحق بالعالم الأعلى بعد انعتاقها وتلتقي ب( دموثة ) اي بالشبيه هناك في عوالم النور، وقد جاء في النصوص المندائية على لسان المحتضر : " أذهب الى شبيهي وشبيهي يأتي إلي ويحتضنني ، كما لو أنني خارج من السجن " ، لذا تقام لها وجبات طقسية ( ساموراي ) من قِبل رجال الدين ، لإعتقاد المندائيين بخلودها وعروجها مرة اخرى .
ولأن الديانة المندائية تؤمن بالعوالم الكونية السبعة وبخلود النفس ( نيشماثا ) وعروجها الى خالقها الأول . ويلاحظ هناك اوجه موازنة متعددة بين الأفكار والشعائر الساميّة والزرادشتية والمثرية والتي ترتبط فيها الشمس واشخاصها وابطالها ورموزها بمبدأ الحياة الالهية الأبدية ، وهذا الاعتقاد موجود أيضا في الديانة الإسلامية يوم الحساب اي ( الثواب والعقاب ) كما ورد في (القرآن ) وفي سورة الفجر " يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي " .
والاعتقاد السائد بان المندائيون يعطون اهتمام كبير للبروج ولهم في هذا كتب ودواوين منها كتاب البروج - أسفر ملواشة ، وهو مخطوط لاغراض التنجيم والفلك ، يستخرج منه الاسم الديني لكل فرد مندائي ، ويستعينون به الشيوخ لمعرفة الحوادث الزمنية ولمعرفة البرج الذي ولد فيه الشخص المندائي فيستنبط منه الطالع ، والأحداث المهمة في بداية كل سنة مندائية جديدة ، كما في ديوان ترسرالف شيالة ( 1012) سؤال .
وتعليل ذلك لأن المندائية ديانة معرفية ، ولها ارتباط روحي كبير بالملائكة والاثريين والإعتقاد السائد حسب ما جاء بكتبها المقدسة وبتعاليم انبيائها ان الملائكة تسكن في ابراج النجوم والكواكب ولها تاثير مباشرعلى حياة الإنسان والطبيعة والكون .
لهذا عرفَ المندائيين الكراص من خلال هذا الإرتباط الروحي ، وقد برز في هذا المنحى من الصابئة ثابت بن قرة العالِم العظيم في الهندسة والفلك والفيلسوف والمترجم ، وثابت بن سنان الطبيب والعالِم بالظاهر الجوية ، كذلك البتاني عالم الفلك ، وأبي الخطاب الصابي ، وابن وحشية صاحب كتاب الفلاحة النبطية ، اضافة الى العلماء المندائيين في هذا العصر ، عالِم الفيزياء الدكتور الراحل عبد الجبار عبد الله ، والعالِم الفلكي الدكتورعبد العظيم السبتي .
اما التقويم الذي تبدأ به السنة المندائية هو الشهرالاول- أول ستوا اي ( قام دوله - برج الدلو )- شباط الميلادي وتحتوي على 365 يوما فقط ، وليس فيها سنة كبيسة ، وهي تقسم الى 12 شهرا ، كل شهر ثلاثون يوماً ، وتعتبر خمسة ايام الزائدة شهرا منفرداً عيد الخليقة ( البنجة ) ، اما بدأ التقويم فهو حسب التدرج التأريخي للأنبياء المندائيين فيقسم الى ثلاثة :
الأول : بدأ الخليقة وهبوط آدم ، وهو اول تاريخ يضبط به السنون ، الثاني : عام طوفان نوح ، وهو الأمد الثاني لتحديد السنين ، الثالث : ولادة يحيى - يهيا يهانا ، ويختلف عن التقويم الميلادي بستة اشهر، ويتخذ منه المندائيون تاريخاً لامورهم الدينية وشؤونهم الشخصية .
أما الكراص في كتب اللغة : كلمة مأخوذه من كلمة كرز بمعنى دخل واستخفى في غار ونحوه ، ويقال كرز في المكان اختبأ فيه ، هذا ما جاء في كتاب المعجم الوسيط ، وهذه المعاني الواردة كلها قريبة من معنى الكرصة او الكراص حين يلزم الصابئة المندائيون بيوتهم مدة ست وثلاثين ساعة تبدأ من غروب شمس نهاية السنة المندائية ( كنشي وزهلي ) حتى شروق اليوم الثاني من السنة المندائية الجديدة . وقد حدث إبدال (الزاي ) صادا لتقاربهما في الصوت وهذا شائع في لهجات العرب ، وشاع استعمالها بيننا واخذت مدلولا ًخاصا لدى الصابئة المندائيين.
ومفهوم الكراص كما جاء في ديوان " الف وترسر شياله" : يعتبر التكريص بحد ذاته حدث عظيم يمثل بداية تكوين العالم بأمر الخالق العظيم وفيه تصعد المخلوقات النورانية ( الناطري ) والمكلفين بحراستنا إلى المي دنهورا (عالم الانوار) حيث رب الأكوان ليمجدوا ويسبحوا للخالق العظيم شاكرين خالقهم على تلبية دعائهم بتكوين هذا الكون المادي حيث تستمر رحلتهم 36 ساعة وبعد عودتهم ليصبح اول يوم من السنة المندائية الجديدة ، وبداية العيد الكبير .
ومسألة الكراص رغم كونها ظاهرة تراثية فلكلورية متوارثة ، كالمتعارف عليها عند بقية الأقوام والشعوب الأخرى ، لكن في جوهرها مضامين فلسفية وفكرية ودينية تتجلى في اسمى صورها لما تتمتع به من معاني كبيرة عن الحياة وعن الخالق وملائكته الاثريين ، وعن الصراع الأبدي القائم بين قوى الخير والشر ، بين النور والظلام على مر العصور والدهور ، والهدف الأسمى هو الحفاظ على كيان الإنسان وديمومته في تعمر الأرض ونقاءها ، وتعطينا دروسا ذات قيّمة عن معنى المحبة والتكاتف والتعاون بيننا ونبذ الخلافات وجمع العوائل المتباعدة بسبب الظرف في يوم مقدس مثل يوم الكراص المندائي.

 

الأحد, 28 كانون2/يناير 2018 20:11

المندائية والمجتمع المندائي

هذا الموضوع رداً على مانشره احد الاخوان المندائيين تحت عنوان (صدق إذا قيل لك انَّ ......) وقد أسائني كثيرا ما كتب فيه عن المجتمع المندائي وبالاخص عن رموزه وكأنه ينشر غسيل مجتمعه السلبي على الحبل امام التافهين من الناس الذين يتعاملوا مع الدين سياسياً لاروحانياً ونكاية بالطرف الآخر يعملون لزرع الشر والتفرقة ليقللوا من شأن اعظم مجتمع واعظم دين عرفته البشرية منذ اقدم العصور ولازال عرقه نابضاً ويتحدى الزمن والذي أغضبني اكثر انَّ بعض الاخوان يشجعوه على ذلك بقولهم احسنت استاذنا العزيز لقد صدقت فصحيح ماقلته هو الحقيقة فمما يؤسف له ان بعض المندائيين لاينشر سوى السلبيات عن هذا المجتمع العريق دون ان يعرف ان السلبيات تخلِّف السلبيات او كإنه يشجع الاخرين على الاستمرار على اقتراف الاعمال السيئة او يشجعهم على التمادي بها كما ان ذلك أيضاً ينعكس على الخيرين ففي هذه الحالة اذا اخطأ احدٌ منهم لم يهتم لذلك كإنه يقول (يا ستة مع الستّين) فالذي يريد ان يرمي القمامة عندما يرى الشارع مملوء قمامة فانة يرميها حيثما كان في الشارع دون الاهتمام لنظافة ومنظر الشارع لكن إذا كان الشارع نظيفاً فإنه حتماُ سيبحث عن صندوق القمامة كي يرمي القمامة فيه ويبقى منظر الشارع جميلاً لكن السيْ يتعمد ويرميها في الشارع ويعكر منظر الشارع يا اخوان انَّ المثل يقول (صيت الغنى ولا صيت الفقر) اي صيت الغنى بالطياب والاعمال الخيرة ولا صيت الفقر لعدمها كما انَّ المثل يقول (إذكروا محاسن موتاكم وبالغوا بيها ولا تذكروا سيئاتهم بالمرة) لان ذلك يكون حافزاً لتشجيع الآخرين ان يقتدوا بها لقد علمتنا عقيدة النور عقيدة الخير الخالية من كل الشرور ان نقتدي بالخير ونعمل كل ماهو لائقاً به وندحر الشر (إكوِش هشوخا وترِص انهورا) إدحر الظلام وثبِّت النور إي تغلب على الشر وارفع شأن الخير فإذا دال الخير وقوى الشر فكن بجانب الخير وادحر الشر لكي تعيد الفضبلة الى عرشها فالخير يجلب الخير اما الشر فلا يأتي منه إلّا الشر فالشجرة الطيبة اذا سقيت بالطيبات تثمر ثمراً طيباً أمّا التي سقيت بالشر فلا تثمر غير الشر لقد قال مندادهيي ليوشامن (إن تفعل خيراً تجد خيراً وإن تفعل شراً تجد كراهية فإن اصبحت لطيفاً فنورك لايتبدد وإن خططتَ لأمر سيئ فالمقام الجميل الذي تعتليه ينقلب عليك لم تتعلم يا يوشامن بعدُ من دمار الالف عام إذ لم يعد كما كان بأربعةِ وعشرين ألف عام) إدراشا إد يهيا يا اخوتي لنقتدي بأبينا (شوم بر نو) سام بن نوح ونحاسب أنفسنا مثل ما كان هو يحاسب نفسه بقوله (ماذا قدمت للذي وهبني؟ ماذا دفعت للذي دفع عني؟ أأرتقي كاملاً مخلفاً الرواسب أأرتقي طاهراً مخلفاً النجاسات وقال انهض كي نتجول ماذا عرفتُ وماذا دفعتُ؟ لقد سمعت كلاماً ملأَ اذني كل مَن يحمل زاداً ويصل المعبر فسيعبر وكل مَن لايحمل زاداً فسيجلس مرتقباً حتى يشيب شعره يأملُ الذهابَ كمَن ينتظر موسم الحصاد في حقلٍ لازرعَ فيه) إدراشا إد يهيا فيا اخواني انَّ عقيدة النور منحتنا كل ماهو خيراً فلا تبددوا هذا الخير وتضعوا مكانه الشر أبونا سام يرشدنا عندما قال لقد منحتنا عقيدة النور كل ماهو خيرا فماذا قدمتم لها وبماذا دافعتم عنها هل بالفضاح تدافعون ( بي وأشكا) إبحثوا في داخلكم عن الخير الذي غرسته فيكم عقيدتكم واقتلوا ما زرعه ابناء الظلام فيكم في لحظة غفوتكم كما قال وهو يرشدنا هل من المعقول أن اغادر هذه الدنيا واترك الآثام والمشاكل لمن يأتي بعدي في هذه الدنيا فاعمروا الدنيا من اجل الآخرة يريدك ان تحاسب نفسك في كل لحظة تمر عليك وان اخطأت فبادر في تصحيح الخطأ كي يقتدي بك الآخرون ولا ننسى المثل الذي يقول (اعمل الخير لدنياك كانك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كإنك تموت غدا) فكل عمل خير انت تفعله هو لبنة جميلة تضعها في البيت الذي تبنه لآخرتك في عالم النور والحياة الأبدية فلنقتدي بما قاله الشاعر
ليس للمرء دارٌ بعد الموت يسكنها إلّا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه وإن بناها بشرٍ خاب بانيها .

الجمعة, 09 حزيران/يونيو 2017 21:25

المندائية ترفض الحزن وتمسح دموع الثكالا

كان آباؤنا الاولون والى امد ليس بعيد عن وقتنا هذا يلازمون ذوي الفقيد خمسة واربعون يوماً لغاية وصول النفس الى بوابة اباثر الميزان، فقد كانوا يشاركون مادياً ومعنوياً اهل المصاب في اعداد ما يلزم لتجهيز الطعام وعمل للوفاني (طعام الغفران) والقراءات في الكنوز المندائية وسرد القصص الممتعة ترويحاً للنفس وتبعدها عن شبح الحزن المقيت، هذا ما كان يسود اهلنا من الفة ومحبة واحترام متبادل كانهم عائلة واحدة لانهم يدركون ان التحلّي بكل صفة من هذه الصفات هي صدقة بالاضافة الى ذلك فهم يسخِّرون هذة المناسبة الى عمل الخير وازالة الاحقاد بين بعضهم البعض الآخر ويتم الصلح بين المتخاصمين ويميلوا نحو التجمع ونبذ الخلاافات المدمره للمجتمع المندائي فتقوى اواصر المحبة بينهم فما اجمل ذلك.
فمشاركتك في مجلس العزاء وقراءة صلاة الغفران على روح الميت بقلب صادق ومؤمن هي فرصة تجعلك صاحب واجب، فتزيد ثقتك بنفسك وتعتزُّ بها كما يعتزُّ بك الآخرون، وهي بحد ذاتها نعمة اهداها لك النور، وكي تحافظ على هذه النعمة لا تترك فرصة المشاركة ما حييت، انَّ هذه الفرصة لم تقتصر عليك وانَّما تمتد الى مَنْ اعدَّ مجلس العزاء وهم ذوي الراحل، لانَّ مشاركتك مع الآخرين تبعد شبح الحزن والحداد من ذويه وبذلك لاتتعذب روح الميت وهي في طريقها الى عالم النور والحياة الوطيدة، لأنَّ الأسرار التي غرسها النور في الانفس وخاصة التابعة لنفس الشجرة، تلك التي نشأت عند الزواج تجعل الانفس تتواصل فيما بينها، لذا فالألم الذي يشعر به ذويها بسبب الحزن والبكاء ينتقل الى النفس الراحلة مما يجعلها تتلكأ في مسيرتها وهي اقل حذراً، فيسهل اصطيادها من قبل المخلوقات الظلامية في مقراتهم ويعذبونها، لقد أشارت الكنوز المندائية اليه في متونها بهذا النص [لا تبكوا ولا تحزنوا على النفس التي رحلت من بينكم لانَّ الارواح الظلامية تستمد طاقتها من الحزن والبكاء وتسبق النفس في الطرق وتعذبها في بيت محاسبي عالم الظلام] (كنزا ربّا) لهذا السبب ينهي الدين المندائي كل مظاهر الحزن والبكاء على النفس الراحلة، لكن ليس بالامكان فحواء ذاتها بكت وحزنت عند رحيل آدم وجعلت من ايّام الحزن ايّام معظَّمات، ممّا جعل الملاك هيبل زيوا يقول [انَّ حواء أخطأت خطئاً جسيماً قد لايجعلها تصل الى بيت الكمال] (كنزا ربّا) هذا هو شأن الحزن فهولا يمنع صاحبه عن الحياة .. أما من الناحية النفسية؛ فالبكاء المخرج الأفضل لكل التوترات النفسية والانفعالات لأنه لو أخفى الإنسان هذه التغيرات النفسية والعصبية بداعي الرجولة والخوف من الضعف أمام الآخرين أو الشعور بالانهزامية. فهنا تكمن الخطورة. حيث سيعاني من العقد والمشكلات التي يزخر بها الطب النفسي ، سيؤدي ذلك لارتفاع ضغط الدم المنتشر كثيراً هذه الأيام وربما لإظهار داء السكري إذا كانت عنده ميول أو تاريخ اسري للسكري. كذلك حبس البكاء والمشاعر كثيراً ما يؤدي إلى تقرح بالمعدة وأمراض القولون العصبي ولهذا نجد أن النساء وهن أكثر قدرة على البكاء بسبب الاختلاف الفسيولوجي والهرموني عن الرجال ولأن البكاء ربما يكون مظهراً مقبولاً من السيدة كتعبير عن الرقة أو الضعف أو الشفافية لهذا نجد أنهن اقل عرضة لكثير من الأمراض التي تنجم عن كبت البكاء. لذلك علينا إلا نحرم أنفسنا رجالاً ونساءً من البكاء إن طاب لنا ترطيباً للنفس وحرصاً على الصحة، فللبكاء فوائد كثيرة على سبيل المثال قد يحمى من الإصابة بالأمراض النفسية فالشخصية التى تفرغ شحنات الانفعال أولا بأول قد لا تصاب بمرض مثل الشخصية الأخرى التى تكبت انفعالاتها ولا تعبر عنها بالبكاء، كما إننا نحن المندائيون نعلم ان الدين المندائي لايحمِّل النفس اكبر من طاقته بل يريدك ان تسعى لمسح دموع الثكالا رغم انَّك قد تشعر احياناً بعدم القدرة على المساعدة عندما احداً قريباً منك حزيناً على فقدانه عزيزاً عليه واحياناً انت تشعر بانك غير متأكِّد ماذا تقول او ماذا تعمل وبذلك تكون مشاركتك لاقيمة لها، لكن دينك يزرع بك الثقة وعزة النفس، فكلما يتطلب منك الحضور والمشاركة البسيطة بالمشاعر ولو بالقول انا آسف وتعانق ذلك الشخص او تطبطب على كتفه بخفة تشعره بالعناية والراحة النفسية، امّا اذا كان الشخص يريد التحدث اصغي له بتعاطف والاحسن من كل شيء ان تعمل بعض الاشياء لعائلة الفقيد. ربما تبدأ بدعمه اذا كان غير قادرعلى العناية بالآخرين كالمساهمة باعداد الطعام او العناية بالاطفال او المساهمة في تراتيب حمل الراحل اذا كان ذوي الفقيد راغبين بذلك، في الوقت نفسه تحرك للكلام حول الراحل بالتركيز على صفاته الجيدة وتجاربه السعيدة ولو بالمبالغة في ذلك مثل هذا الحديث قد يجلب البسمة على وجوه الثكالا وخاصة اذا كان التحدث على اشياء جيدة لم يكونوا الثكالا قد عرفوا عنها مسبقاً اذن إمتحن نفسك ايها المندائي النزيه فما زال امامك متسع من الوقت فلا تهدر فرصة عظيمة و نعمة كبيرة منحها لك الحي العظيم كي تكسب منها صدقة لنفسك وإلّا ستندم وتذرف الدموع تلوَ الدموع، فالذي يطرد النعمة من بابه، لا ينالها طالما هو حيّاً

الجمعة, 03 آذار/مارس 2017 22:46

يردنا – الماء الجاري

ان كلمة يردنا جاءت من فعل " ردا " بمعنى جرى وبذلك فالمعنى يكون لوحده "الجاري" و مجازا" هو الماء الجاري اما كلمة نهر فموجوده في اللغة المندائية بصيغة –نهرا- و منها ديوان نهرواثا.
و لكن مصطلح "يردنا" اخذ بعدا" مقدسا" لارتباطه بجذور التكوين السماوي –النوراني- الاول, حيث جاء في المندائية تسلسل وجود الماء كما يلي:-
يردنا ربا قدمايا و هيي اليردنا الاولى العظيمة في عالم النور.1ـ
يردنا ربا اد ميا هيي وهي يردنا الماء الحي في عالم النور.2ـ
3ـ نبطا سغيا, هي النبته العظيمة المرسلة من داخل يردنا الاولى الحية العظيمة والتي صارت اساس الطيبات المبعوثه للارض- عندما دخل الماء الحي في النباتات ومن ثم باقي المخلوقات "لنبطا سغيا من گوا يردنا ربا ادهيي قدمايي" و بعبارة اخرى فهي "ميا سغيا" اي الماء المرسل. بوثة الاثنين صباحا"
دخول "مياهيي" الماء الحي على الماء الارضي (ميا تاهمي)- مياة التخوم- لغرض بعث الحياة فيها ومنها لتكون الحياة بكل اشكالها.4ـ
ميا سياوي – وهي المياه السوداء المكونه للمادة الموجوده داخل الارض- منيهون ومن هناتون ميا سياوي گبلت ْ"منهم ومن تلك المياه تجبلت, "بوثة قشش"5ـ
معيار شرعية الماء:-
ان شرعية الماء وصحته للانسان والمخلوقات تكون بذاته لانه منبع الحياة وباعثها في الموجودات منذ ان تكون في عالم النور سابقا" ومماثلا" للضوء ومن النور اصله ومن ثم امتلاكه قوة التكوين, بصفته ( اب لكل العوالم العليا والوسطى والسفلى, انه علاج يفوق كل انواع العلاج وهو مقسم الى سبعة اسرار لايشبه احدهم الاخر). ألف وترسر شياله
وبالتالي فأن الانسان لايدرك قدرة الماء. "اد انش بهيلي لامصي". الرشامه
وبما ان تكون الماء كان حرا" في عالم النور (مياهيي) لذلك فان قدرته وشرعيته تكون بذاته ويعتبر كالنشمثا, ولكنه عندما جاء الى العالم الارضي دخل على الماء الجاري(ميا تاهمي) الذي يعتبر كالجسد باعثاًالحياة فيه ومن ثم في كل المخلوقات.
"انهر كوفني بكو ميا واتقيم كبيري بيردنا" انارت السلالات داخل الماء وتقومت المخلوقات في الماء الجاري- قابين شيشلام- وجرى هذا الماء في تراب الارض مكوناً الانهار التي أخذت قدسية كفتيها من الماء الجاري الذي يجري بداخلها.
لذلك فان معيار نظافة الماء تكون عموماً بخلوه من عوامل التلوث المادية التي هي بسبب الانسان والمخلوقات الضاره, أما في حالة انقطاع جريانه فأنه لايصلح لاداء مهمته الحياتيه السامية, لسرعة تصاعد عوامل التلوث به من البيئة المحيطه (الانسان والمخلوقات) ولفعل الاجزاء السبعه المادية فيه- ودليلها اسير يما, واسرين ترين كيفي أد يما- مقيد البحر وكفتيه- التي تطلق من قبل الترميدا اول دخوله للماء الجاري وليس البحر. بمعنى ان تلك الاجزاء السبعه المادية تابعه ل(ميا تاهمي) اي مياه البحر المؤذية. لذلك فأن سقوط الانسان في الماء يؤدي الى غرقه وموته لنفس الاسباب اعلاه.
وبذلك فأن معيار شرعية الماء يتحدد بعاملين:-
نقاء الماء بذاته اي احتواءه على اكبر قدر ممكن من عامل الحياة (مياهيي) ومصدره المنبع السماوي.1ـ
نظافة الوسط الجاري او الاناء الذي يحتويه وخلوه من عوامل التلوث.( نظافة ألماء من نظافة وعاءهِ).2ـ
وقياس العامل الاول يكون بخلو الماء الطبيعي من اللون والطعم والرائحه, وعن طريق وسائل القياس العلمي الذي يثبت خلوه من عوامل التلوث الكيميائية والجرثومية والاشعاعية المسببة للامراض. وبالنتيجة فأن أي نسبة من هذه العوامل تصل الى الحد غير المسموح به علمياً فأن هذا الماء لايعتبر – يردنا اد مياهيي - ولا يصلح للاستخدام الديني, وأن نطق الاسماء والبواثا المباركة عليه تحمل من يقوم بها ذنباً كبيراً بقدر الضرر الذي يوقعه هذا الماء على الحياة. وبذا فأنه لاوجود لقدسية لمثل هذا الماء. كمثل الانسان الذي خرجت نفسه من جسده ليبقى جسدا" نتنا" باطلا".
شرعية ماء الاسالة:-
تأتي من العوامل التالية:
يعتبر جارياً أثناء فتح الصنبور واستعماله.1ـ
يعتبر نقياً لخلوه من عوامل التلوث المسببه للامراض لخضوعه للكشوفات العلمية اليومية.2ـ
يديم الحياة للانسان والمخلوقات الاخرى (مياهيي).3ـ
لا يسبب ضررا" مرضي للانسان والمخلوقات الاخرى.4ـ
5ـ هو المصدر الوحيد للماء الذي لاغنا" عنه في كل بيت, ففي حالة تحريمه دينيا" فأن ذلك معناه منع المندائيين من دينهم واداء طقوسه المهمه من طماشة ورشامة وبراخا ولوفاني...الخ وبذلك تكون الخسارة كبيرة.
6ـ في حالة عدم وجود مصادر ألمياه ألطبيعية كالأنهار أو ألعيون...الخ فإن وجود ألاحواض ذات ماء ألاسالة ألجاري تعتبر العامل ألأول لأستمرار وجود ألمندائيين
ودينهم ألقويم.
شرعية الاحواض ذات الماء الجاري
ان الخلاف الموجود حاليا" بين بعض رجال الدين ليس على شرعية الاحواض بحد ذاتها وانما على الماء الجاري الذي يسري بداخلها فالبعض منهم حرم أن يكون مصدر الماء هو ماء الاسالة, رغم أن المصدر هو بالنهاية الماء السماوي (مياهيي) وان تدخل الانسان هو لتنقية هذا الماء وجعله صالحاً للاستخدام البشري علاوه على إن الحكم على هذا الماء (كما اسلفنا) يقوم على اساس نقاءه بأحتواءه على عنصر الحياة (مياهيي) وخلوه من العوامل الضاره ألمسببة للامراض. ولا يصح قياس افضلية الماء نسبةً الى جسد الانسان – كما ورد في بوثة بيت مشقال ايني – "كلهين ايدي گنب قدامخ ,وكلهون اسفي كدب, ميا بيردنا زكايا قدامخ لايت مندادهيي" اي كل الايادي سارقة امامك وكل الشفاه كاذبه الماء الجاري وحده زاكيا" أمامك ليس مثله يكون يا مندادهيي"
الذي نراه ان حقيقة الخلاف على شرعية ماء الاسالة يعود الى اسباب سياسية إجتماعية بالدرجة الاساس, اوبمثابة الحل الاسلم الذي يتصوره بعض رجال الدين حيث استغل البعض منهم هذه المسألة سلاحاً مسلطاً ضد البعض الاخر الذي ينادي بالتيسير والتنوير والتحضر, مستغلين قلة الوعي المندائي عموما" لدى العامة.
وقد صدرت فتاوي عديده لرجال ديننا الافاضل في العصر الحديث في العراق. بتحليل ماء الاسالة دينياًبدأً من الشيخ سالم شخير عام ١٩٦٧ والشيخ عبدالله الشيخ نجم عام ١٩٩٦ شافق هطايي نهويلون بتأييد ومباركة كل رجال الدين في العراق وانتهاءً بالشيخ ستار جبار حلو والمجالس الروحانية التي تشكلت برئاسته في العراق وسوريا. وكان اول استخدام للحوض بماء الاسالة الجاري في البصره عام ١٩٧٦ – ثم في بغداد عام ١٩٨٠ ومن ثم في باقي المحافظات ومعظم دول العالم التي يتواجد فيها المندائيون إذ أفتتح مندي يهيا يُهانا بتاريخ ٢٠١٠/٩/١٩ في سدني وهو أول مندي في بلاد ألمهجر تقام فيه ألطقوس ألدينية في حوض ماء ألاسالة ألجاري ،حيث اثبتت تجربة المنادي ذات احواض الماء الجاري وخاصة خارج العراق وايران فعاليتها ونجاحها باعتبارها عامل الانقاذ الاول للمندائيين.
الخلاصة// ان يردنا تعني الماء الجاري الحي الصالح للاستخدام البشري دون تسببه في أي ضرر ان كان هذا الماء يجري في وسط طبيعي كالانهار والقنوات او النابع من العيون أو المسحوب من الابار او من ماء الاسالة, حيث ان مصدره واحداً الا وهو المنبع السماوي المبارك – يردنا ربا اد مياهيي- وهيي زاكن.
*كتبت لصالح المجمع الصابئي المندائي للتنوير.

Sydney- Australia
13\01\14

الأحد, 08 كانون2/يناير 2017 16:51

شيء عن الفكر الديني للصابئة المندائيين

الصابئة المندائيون أتباع يوحنا المعمدان والذين يستوطنون منذ القدم بلاد مابين النهرين (العراق) والجزء الجنوبي الغربي من ايران، يعتقدون ويؤمنون ان ديانتهم هي الديانة الموحدة الأقدم، بل لعلها تكون الأولى في التأريخ، اذ تُرجعها كتبهم الدينية والتأريخية الى زمن آدم أبو البشرية الذي يعتبرونه أول انبياؤهم، اذ تذكر تلك الكتب في بعض نصوصها ان التعاليم الربانية الأولى اُنزلها اللـه على آدم بواسطة الملاك المبجل جبرائيل الرسول (كابرئيل شليها) لتكون تلك التعاليم والوصايا مرشدا لآدم ولذريته من بعده، ونهجا تسير عليه البشرية جمعاء. وفيما بعد جُمعت تلك التعاليم وكُوّن منها كتاب الصابئة المقدس المسمى (كنزا ربا) أي الكنز الكبير أو العظيم والذي يعتبر مرجعهم الأول في كل مايخص العقيدة والشؤون الدينية والوصايا والفكر اللاهوتي.

وتتلخص عقيدة الصابئة بالأيمان باللـه الواحد الخالق لكل شئ، والأيمان بالآخرة ومحاسبة النفس، وكذلك الأيمان بخلاص النفس وعودتها الى عالم الأنوار (الفردوس). وان تعاليمهم تنزه الـله وتدعو الى عبادته وتشدد على وجوب الأيمان بالأله الواحد والخشوع له وتدعو الى حياة القداسة المثلى. جاء في كتابهم المقدس (كنزا ربا) {اني دعوتكم الى الحياة التي لا موت فيها، والى النور الذي لا ظلام فيه... فاخرجوا الى طريق الحياة اُخرجكم الى طريق السماء حيث لا موت ولا ظلماء}، وجاء في نفس الكتاب على لسان آدم {طريقي الذي صعدت به مطمئن القلب والعيون، سيصعد به الناصورائيون العادلون، والمؤمنون الكاملون والمؤمنات الكاملات حين من اجسادهم يخرجون}.

ويتحدث كتاب الصابئة المقدس (كنزا ربا) في أحد فصوله عن عملية خلق آدم وموته، هذا شئ منها {وأتى رسول الحي .. ووقف على وسادة ادم، قال: ياآدم قم على قدميك، واخلع ثوب الطين الذي عليك، فقد انتهى عمرك في هذا العالم. قال ادم: ان اتيتُ معك ، فدنياي من سائسها؟ من يبذر البذور المباركات... من يحمل الماء من دجلة والفرات؟ .. قال المخلص: ياآدم قم اذهب الى بلدك الذي منه اتيت ... اِلبس ثوب الأنوار وعلى عرشك المضئ الذي اعده لك الرحمن، اجلس كما اراد لك الحي}،{وجلس آدم على عرشه الذي ثُبّت له بأمر ربه، محاطا بالأضوية والأنوار}.
والنص يشير كما هو واضح ان لأدم مكانة سامية في السماء ، لذلك اعتبره الصابئة المندائيون اول نبي لهم، جاء في كتاب تعاليم يوحنا المعمدان {يآدم اسمع وآمن ، طوبى لمن سمع وآمن ، يا آدم خذ العهد، طوبى لمن اخذ العهد من بعدك. ياآدم تطلع جيدا وارتق، طوبى لمن ارتقى من بعدك}، ويذكر كتاب كنزا ربا المقدس ان آدم مات وأُصعِدَ الى السماء، وقد عرّجت نفسه ( نشماثا) فقط دون الجسد (سْطونا) فالأجساد لا تصعد الى السماء {ياآدم لا يصعد جسد الى عليين}، وذلك لكون الاجساد مخلوقة من العالم المادي الأرضي الزائل، اما النفس الأنسانية (نشماثا) فأنها تعود الى عالم الأنوار الذي أتت منه لكونها نسمة من نسمات الخالق وهي خالدة لاتفنى.

وبحسب الكتب الدينية للصابئة فان آدم خُلق من طين وكذلك حواء، وان الله وهب حوّاء لآدم ليتكاثر بهما العالم }وبأمر الله خُلقت له حواء زوجة ليتكاثر العالم، ويستمر غرسهم فيه{، ان تعاليم هذه الديانة تؤكد على وجوب الزواج {اتخذوا لانفسكم ازواجا، وتناسلوا منكم ليزداد عددكم}، كما تُنبه الى وجوب الأنجاب والأثمار {ايّها العزاب ايتها العذارى .. ايها الرجال العازفون عن النساء .. ايتها النساء العازفات عن الرجال .. هل وقفتم على ساحل البحر يوما؟ هل نظرتم الى السمك كيف يسبح ازواجا؟ هل صعدتم الى ضفة الفرات العظيم؟ هل تأملتم الأشجار واقفة تشرب الماء على ضفافه وتُثمر؟ فما بالكم لا تثمرون؟}، وفي شاهد آخر {ايها الأصفياء الذين اصطفيتهم: أقيموا اعراسا لأبنائكم، وأقيموا أعراسا لبناتكم، وآمنوا بربكم ...}.

الصابئة المندائيون يعتبرون المياه المتجددة الجارية (يردنا) أصل الحياة }مع الماء تدفقت الحياة، الحياة مع المياه تدفقت، منها انبثقت{، والمياه هي رمز الحياة الأولى ومنها تكون كل شئ، ومن المياه المتجددة الحية تكونت الحياة {واذ صار يردنا العظيم، صار الماء الحي .. الماء المتالق البهيج ومن المياه الحية، نحن الحياة صرنا}، والماء لديهم هو أساس جميع الشعائر والطقوس، فهو مادة التطهر ورمز الحياة وبعدم توفره لا يمكن اجراء أي طقس. فالماء وفق معتقدات ديانة الصابئة يعتبر أساس الحياة وهو موجود منذ البدء وقبل كل شئ وفق ماجاء بكتابهم المقدس }داخل مانا كان الضياء، ومنه كانت اليردنا الصغرى، ومنها كان يردنا العظيم{، وفي الكتاب ذاته ورد ان الحياة الأولى انبثقت من المياه الحية (يردنا) }من يردنا العظيم انبثقت النطفة الخفية الأولى{، والمندائيون لم يقرنوا الماء بالحياة فحسب بل قرنوه بالنور (الضوء) ايضا، والمياه الجارية المتحركة تعتبر في عرف الصابئة مياها حية متجددة، مياها نورانية مشبعة بالنور وعامرة بالحياة، ولهذا النوع من المياه ملاك خاص هو الملاك (برياويس) ويكنى بملك المياه الجارية (يردنا) التي يشعر معها الأنسان بالبهجة وبأستمرار الحياة وحركتها، وهي على العموم اكثر صفاء ونظافة من المياه الراكدة غير المتحركة وغير المتجددة والتي يُشعر معها الأنسان بالسكون وانعدام الحياة وعدم النقاء }لا يُحسب الظلام على النور، الدار المظلمة لا تُنير والمياه العكرة لا تبهج{. والصابئة يعتبرون المياه الراكدة مياها آسنة تسكنها الأرواح الشريرة.

يوم العبادة الرسمي المشترك بالنسبة للصابئة هو يوم الاحد (هبّشبّا)، وهو اليوم الوحيد الذي يمكن فيه تأدية طقوس التعميد والزواج، بسبب وجود الملاك الشاهد على طقس التعميد وهو ملاك الاحد (هبّشبّا)، يقول كتابهم المقدس {أحبوا ملاك الأحد وعظموا يومه}، والأحد مقدس لديهم ايضا لأنهم يعتقدون ان الملاك الكبير (مندا آد هيي) جاء الى العالم في هذا اليوم وهو اول ايام الاسبوع عندهم، لذا فانهم يحترمونه ويعطلون فيه عن العمل، ولديهم صلاة خاصة بهذا اليوم تسمى صلاة الاحد، هذا شيء منها { باسم الحي العظيم ، لتمنحني العافية انا (فلان) في صلاة الأحد اقف على نور الأثير وعلى النور العظيم الذي يتظافر ... }. والديانة المندائية تتشابه في ذلك مع المسيحية، كما تشترك معها أو تتشابه في مجال التعميد ولبس الزنار وطريقة الصيام (الأمتناع عن أكل اللحوم فقط)، كما تشترك الديانتان في مبدأ احترام يوحنا المعمدان ووجود طعام الغفران والموقف من الختان . الا ان المندائية تحرم الرهبنة (وتحديدا مبدأ عدم زواج الرهبان) لأنها بأعتقادهم مبدأ يقوم ضد قانون الحياة وضد وصايا الله الواردة في كتبهم في هذا المجال .

يتجه الصابئة المندائيون عند أداء الصلاة الى جهة الشمال لأنها باعتقادهم مصدر النور والخير ومكان وجود عالم الأنوار (آلما دنهورا) عالم الحق او الفردوس حيث وجود عرش الله والسماوات العليا والملائكة، وعالم النور هذا هو عالم النزاهة والعدالة (مشوني كشطا) العالم الذي لا احزان فيه ولا اوجاع ولا مظالم، هو عالم السعادة الدائمة، وهنالك ملاك (أُثرا) خاص لجهة الشمال ولعوالم الأنوار يسمى الملاك (اباثر). والصابئة المندائيون قديما كانوا يسترشدون بالنجم القطبي للأستدلال على ناحية الشمال. وهم يتوجهون في صلاتهم الى تلك الناحية وكذلك عند التعميد أو نحر الذبائح، كما يكون وجه المتوفى عند دفنه فى مواجهة الشمال ايضا. والشمال بالنسبة لهم هو مصدر الخير والنور وكل ماهو سام ومقدس، اما الجنوب فهو جهة وموقع القوى الشريرة والمياه العكرة والخطاة، ويطلقون عليه تسمية عالم الظلام (آلما دهشوخا) الذي يصفه كتاب كنزا ربا {وأما عالم الظلام، عالم الشرور والآثام .. فأرض مقفرة مسعورة، دُفعت الى اقصى الجنوب، بعيدا عن المعمورة، عوالم من دخان ونار تعج بالأشرار}، وعالم الظلام هذا اِنبثق او تكون من المياه السوداء الآسنة .
لا يوجد في كتب الصابئة المندائيين كلمة او تعبير (شيطان)، اذ انهم يطلقون على جميع القوى الشريرة الموجودة في عالم الظلام تعبير الأرواح الشريرة (ملاخي ، ومفردها ملاخيا) التي هي بمثابة الشيطان واجناده في ادبيات الاديان الاخرى. وبحسب عقيدة الصابئة فأن تلك الارواح تؤذي الأنسان مالم يتحصن ويتسلح بالأيمان والطهارة الدائمة والتقرب الى اللـه من خلال العبادة اليومية، فالأرواح الشريرة التي هي مصدر الشر والشقاء في هذا العالم الأرضي، تسعى الى ابعاد الأنسان عن طريق الحق والصواب، فتغريه بمغريات العالم الكثيرة لتوقعه في الخطيئة ومن ثم تقوده الى الهلاك.
ويذكر كتاب (كنزا ربا) ان كبرى تلك الأرواح هي (الروها) ومعناها الروح الشريرة، اما ابنها (اور) فهو سيد عالم الظلام او العالم السفلي وهو العالم الذي تقيم فيه وتنبعث منه تلك الأرواح الشريرة، ويوصف عالم الظلام ايضا بأنه عالم المياه السوداء العكرة أو الآسنة {لا يُحسب الظلام على النور، الدار المظلمة لا تنير والمياه العكرة لا تُبهج والظلام لا يتسع}.

والفرق بين عالمي النور والظلام يوضحه المخطط التالي :

عالم النــور عالم الظـلام
جميل المنظر ومريح قبيح المنظر ومخيف
كامل ومنتظم غير كامل (تسوده الفوضى)
نقي غير نقي (معتم)
طاهر غير طاهر (نجاسه وفساد)
لونه البياض لونه السواد
يسوده الخير والحق يسوده الشر والعصيان والخطيئة
عناصره: النور والهواء والمياه الجارية عناصره: النار والحرارة الآكلة والمياه السوداء
يملك على هذا العالم - الملائكة - يملك على هذا العالم - الأرواح الشريرة -
موقعه الشمال موقعه الجنوب

وهذا الوصف او الصورة المجازية لهذين العالمين المتناقضين تُماثل عالمي الخير والشر او الفردوس والجحيم في ديانات اخرى، ومنها ايضا انبثقت فكرة الثنائيات المتضادة كالطهارة والنجاسه، الجمال والقبح، النور والظلام، الحياة والموت ... الخ

والصابئة المندائيون، او اتباع يوحنا المعمدان كما يطلق عليهم الغربيون، شديدو التمسك بتقاليدهم واُصول ديانتهم، وملتزمون (رجال الدين على وجه الخصوص) بالتطبيق الحرفي لمراسم طقوسهم العديدة والمعقدة نوعا ما، يقول سام بن نوح وهو من انبياء الصابئة {لم اقع في دائرة الأنحراف والنسيان ... دعوات الآباء تلازمني، وتمسكي شديد بالتعاليم}، فهم لا يحيدون عما جاءت به كتبهم الدينية من تعاليم ووصايا الا بالقدر الذي تفرضه عليهم احيانا بيئتهم ومحيطهم، فيتجاوزون مكرهين اشياء بسيطة ليس لها تأثير على جوهر عقيدتهم، او يستبدلون اشياء باخرى تفرضها عليهم الحياة المعاصرة، لكن ذلك لا يعني ان هذه الديانة مرنة أو اِنها تتقبل التغيير دائما.

....................................................................

كان العراقُ ، وما يزالُ ، بلدَ الخصبِ والخيرِ ، والدفءِ والحياةِ ، بيئتُهُ زراعيةٌ ، لكنّهُ موعودٌ بِآن يتطوَّر صناعياً لو استُغِّلتْ جميعُ طاقاتهِ ، وما يمتلكُ من مواردَ اوليةٍ مُهملةٍ ... وأَجملُ ما يُميُّز هذا البلدُ ، غزارةُ آنهارهِ ، وكثرةُ رَوافدهِ وَجداولهِ ، وخصوبةُ تُربتهِ ، كما آنّهُ يتميزُّ منذُ القِدمِ ، بِشجرةٍ مُباركةٍ اسمها (النخلةُ) ، تُغطي سُهولَهُ ووديانَهُ وضِفافَ آنهارهِ ، وآفاقَهُ الشّاسعةَ على شكلِ مِظَلَّةٍ واسِعةٍ ، رائعةِ الحسنِ ، يتدّلى من آعذاقِها الذهبيةِ سكَّرٌ وعَسَلٌ ، حُلوُ المَذاقِ ، لذيذُ الطعمِ ، يُشبِعُ الجائعَ ، وَيُغيثُ الظمآنَ .. وبسببِ ذلكَ رَفرفتْ ظلالُ السعادةِ على ساكني هذا البلدِ ، فاستطاعوا ، منذُ القِدَمِ ترسيخَ وجودِهم ، ورفعَ سَقفِ حضارتِهم ، حتى باتوا اساتذةً لِآهلِ العلمِ والمعرفةِ ... وكانَ اجدادُنا الصابئة المندائيونَ جُزءً من هذا الجمعِ المبارَكِ ، التصقوا بِأَديمِ هذهِ الآوطانِ منذُ فجرِ التأريخِ وساهموا بِبناءِ حضارتِها ... ووجدتْ ديانتهمُ المندائيةُ لها مكاناً بينَ مختلفِ الدياناتِ ... وبسببِ فيضِ خَيراتِ هذا البلدِ وقناعةِ سُكّانهِ ، كانوا بِمنأىً عن المجاعاتِ والقحْطِ والجَفافِ يُقنِعُهمُ القَليلُ ويكفيهمُ اليسيرُ .. ومَنْ يتصفحُ الكتبَ الدينيةَ المندائيةَ ، ويطّلِعُ على تعاليمها ، يَجدُ تعابيرَ تنمُّ عن الرضى والاطمئنانِ ، وشكرٍ لِلخالقِ ، واهبِ كُلِّ تلكَ الخيراتِ الجمّةِ.

والصابئة المندائيونَ يُشيرون دائماً باعتزازٍ الى النخلةِ ويُطلقونَ عليها رمزاً مُمَيّزاً تحت اسمِ (سَندركة) ، مَقرونَةً بالماءِ (أَينة) آي عينُ الماءِ ، فآصبحَ شعارُهم (أَينة وسندركة) اي (عينُ الماءِ والنخلةُ) ... كما انَّ الوقائع تُشيرُ الى آنهّم دائماً ، كانوا سَبّاقينَ لزراعةِ النخيلِ ، فَهُمُ أَينما حَلّوا وَسكنوا ، زَرعوها خَلفَ مَنازِلهم ، لِما لها من اهمّيةٍ ، فَجعلوا من دورهم بذلكَ جنائنَ تَنبُضُ بالجمالِ والحياةِ ، وتزخرُ بِأَشجارِ فاكهةٍ من كُلِ صِنفٍ ، وأَنواعٍ من الخُضَرِ يتخذّونها طعاماً يومياً لهم ... هكذا فعلوا حينما استوطنوا مواطنَهم الاولى في مدن المشرح وقلعة صالح والقرنة والبصرة والكحلاء والمجر والناصرية وسوق الشيوخ ومدن عربستان ، وقد ساعدَ على ذلكَ دِفءَ المناخِ ووفرةُ المياهِ العذبةِ وخصوبةُ التُربةِ ، فأصبحتِ الارضُ سَخّيةً معطاءَةً ، سريعةَ الأِنباتِ. وكانت هذه التمورُ مُتَعَّددةَ الأنواعِ ، رخيصةَ الأثمانِ ، مُقاوِمَةً لِلتَلَفِ ، مما ساعدَ على خَزنِها ، والأحتفاظِ بها طَرّيةً كانتْ ام جافَّةً ام مُعَلَّبَةً طيلةَ فصولِ السنةِ ... ولهذا السببِ ، غَدتْ النخلةُ بنظرِهم (سيدةً للشجرِ) ، ورمزاً لسائرِ العراقيين ... ومّما يدلُّ على اعتزازِهم بها ، اهتمامِهُم بِتجميلِها وتزيينها وتَشذيبِها وصيانِتها ، وأبرازِ مفاتِنها ، فكانوا ينتزعونَ ، كُلَّ سنةٍ ، آجزاءَها الخارجيةَ ، اِبرازاً لِحسِنها وَبهائِها ، ثم يَنتفعونَ بِكُلِّ ذلكَ ، حَطباً وسقوفاً لِلمنازلِ ، وقناطِرَ تُنصَبُ فوقَ الجداولِ ، وأَسِرّةً لِلنَّومِ ، وأدواتٍ منزليةً متنوِّعَةً .

كما تميَزَّ الصابئة المندائيونَ بِميزةٍ اخرى ، اختصّوا بِها دونَ غيرهم ، تتمَثَّلُ بِمعيشَتِهم مُتجاورينَ في مَحّلاتٍ خاصّةٍ بهم ، مِمّا يّدّلُ على أُلفتِهم وحُبّهم للعَيشِ سَوّيةً ، اِدراكاً منهم بِأنَّ ذلكَ يُحقِّقُ لهم الأَمنَ والطمأنينةَ ، ويُشعِرُهم بطَعمِ السعادةِ والتماسكِ والأنسجامِ ، اِضافةً الى تقويةِ الروابطِ العائليِة ، وتتمثّلُ تلكَ الأَلفةِ بِوضوحٍ بما يُسّمى (الدواوين) ، وهي مجالسٌ يلتقونَ فيها ليلاً لِلسَمَرِ والتسليةِ وشربِ القهوةِ وتبادلِ الاحاديثِ والشعرِ والأَدبِ ، وحلِّ المشاكلِ الطارئةِ. كما كانت تتمَّيزُ بتقديمَ وِجباتِ طعامٍ خفيفةٍ ، في آخرِ اللَّيلِ ، يتكوّنُ مُعظَمُها من (التمرِ والراشي) آو (اُلمكسَّراتِ) آو (اللفتِ المطبوخِ) آو (الخبزِ المصنوعِ من دقيقِ الرُزِّ معَ البيضِ) ، وجَرّاءَ ذلكَ كانوا يَستأَنِسونَ جداً بهذهِ المجالسِ ويَتشَّوقونَ اليها ... كما كانَ الكُرَماءُ من أَصحابِ البَساتينِ من المندائيينَ يُغدِقونَ العطاءَ لِلأيتامِ ، والفقراءِ عن طيبِ خاطرٍ ، وهذه الاعمالُ الخَيريةُ ما هيَ اِلآ ترجمةٌ لتعاليمِ دينهِم في تقديمِ الصَدقاتِ للمحتاجينَ ، كما تدلُّ على الأحساسِ بالتعلّقِ بالمشاعرِ الأنسانيةِ الجّياشةِ التي تدلُّ على المحّبةِ والشَفقةِ .. وقد بقيتْ ذكرى تلكَ الجَلساتِ في ذاكرتِنا ، استفدنا منها حكمةً وشعاراً جميلاً كانوا يُردّدونهُ فيقولونَ (المجالسُ مدارِسٌ) .

ولكن كانت هناكَ مُشكلَةٌ تُؤرِّقُ المندائيين ، وَتُنَغِّصُ عليهم عَيشَهم ، أَلا وهي استهدافهُم من قبلِ اللصوصِ والأشرارِ ، فهمُ بالرغمِ من وَداعِتهم ، وميلِهم للسلامِ كانوا يتعرضّونَ من حينٍ لِآخرَ لشرِّ وخطرِ اؤلئكَ اللصوصِ الطامعينَ في الاستيلاءِ على تمورِ بساتينهم ، وأحياناً لِلسَطوِ على منازلهم ومواشيهم ، وقد أدَّتْ تلكَ الاحداثُ احياناً الى مصرعِ البعضِ من المندائيينَ . وحينَ كُنا في عُمرِ الصِّبا طرقَت آسماعَنا اخبارٌ عن ضحايا من الصاغةِ أَيضاً سقطوا صرعى بِأيدي مجرمين في بعض القرى اثناء تجوالِهم هناك ، من اجل كسبِ لقمةِ العيشِ .. وتلكَ الاحداثُ كانت شائعةً في بقيةِ المدنِ التي يقطنُها الصابئة المندائيون مثل سوق الشيوخ والبصرة والناصرية وقلعة صالح ومدن عربستان . وخلاصةُ القولِ ، ان علاقةَ المندائيين خُصوصاً ، والعراقيينَ عموماً بالنخلةِ، انما هي علاقةٌ أزليةٌ ، تحملُ الودَّ والعرِفانَ لهذه الشجرةِ المعطاءةِ الخالدةِ اعتزازاً بها.

الجمعة, 27 آذار/مارس 2015 12:56

دهفه اد برونايي عيد الخليقة

الأيام الخمسة البيضاء ( البنجة )...توافق هذه المناسبة بين شهري شمبلتا
و قينا المندائيين ، وان هذه الأيام الخمسة المقدسة لم
.تحسب بشهر معين من الاشهر المندائية والتي هي اثنا عشر شهرا
هذة الأيام الخمسة البيضاء تجلى فيها الرب وأعلن عن نفسه في الوجود حيث انبثقت
صفاته وأسمائه في تلك الأيام حيث انبثقت صفة الحياة في اليوم الأول والعظمة في اليوم الثاني والمعرفة والعلم في اليوم الثالث ،أما اليوم الرابع فانبثقت واحدة من صفاته ألا وهي الحق ،وفي اليوم الخامس تفجرت المياه الجارية وهي سر من أسرار هيي قدمايي ومن هذه الايام البيضاء تكون السنة المندائية هي 365 يوماٌ ، فهي أيام طاهرة زكيه بيضاء نورانية لا تعد كبقية الأيام
لان لا وجود للظلام فيها . أنها خمسة أيام كأنها يوم لا يشطرها ليل ،،لا ظلام فيها
. ليس للشر والشيطان حصة فيها ،أنها أيام الخالق * مبروخ اشمي
* .. خير في خير ، صفاء في صفاء .فيها يصطبغ المندائيون ويجددوا صبغتهم
وينحروا ذبائحهم من أجل أن يقيموا الليافة لموتاهم وفيها أيضاٌ تكرس المنادي
( بيث مندي) وتقام الملابس الطاهرة للموتى (طرطبوني طابي دخيي)
القماشي ) ويسمى اليوم الأخير يوم التذكير)
علما ان في كتبنا الدينية لا وجود لكلمة * بنجة بل مذكور همشة يومي اد برونايي اي خمسة ايام الخليقة
النص الديني الخاص بهذه المناسبة
من ديوان اترسر والف شياله * نقطف منه بعض الاجزاء *
هيزَخ ايصطَرَر مارا اد ربوثا وامسَث امسوثا بأتشا ياهري بهناثون همشه
يومي ايصطَرَر تلتما وشتين هامشا يومي اد شيدثا اد هينُن بكُل هاد يوما
ايصطَرَر تم همشا يومي اد برونايي هينون دوخران
.......ميتقري
....... لا أثله هشوخا بكاويهون
........لا افلَغ بكاويهون ليلي
هكذا تشكل مارا اد ربوثا وتصلبت بتسع شهور هذة الخمسة ايام تكونت
ليصبح ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً في السنة، وفي كل يوم تشكلت صفه
.......من صفات الخالق ، في البرونايي يقرأ الدوخراني

........هذة الأيام البيضاء لا جود للشر في داخلها
.......هذة الأيام البيضاء لا يشقها ليل
اهم الامور الواجب عملها هي
• الطماشة من قبل افراد الاسرة في صباح يوم البنجة
• عدم لمس المرأة الحائضة ويكون اكلها وشربها لوحدها
• عدم لمس المرأة الوالدة الا بعد انتهاء فترة النفاس وهي 30 يوما ويكون
اكلها وشربها لوحدها
• الامتناع نهائيا من التقرب من الفراش الزوجية ليس في هذة الايام الخمسة
المقدسة وانما في كل الاعياد الدينية
• تقوية الاواصر والصلات الاجتماعية بين العائلة الواحدة وترك الخصام
. وأجراء الصلح وترك الحقد والضغينة جانبا
ملاحظة مهمة جدا :- تبدأ المبطلات الثقيلة في يوم الثلاثاء المصادف 11.03.2015 وتستمر لغاية يوم الاحد المصادف 15.03.2015 ولا يجوز اكل السمك واللحم والبيض لكونها تحتوي على روح
مع تحياتي وامنياتي لكافة المندائيين بعيد سعيد مليء بالافراح والمسرات
وان يحفظ عوائلنا ويجمع شمل محبينا
وهيي وماري ومندا اد هيي يحفظكم

المانيا 04/3/2015

الصفحة 1 من 3